العروبة أم الإسلام ؟ ( بين جدلية الهوية والدفاع عنها )
2009/02/24
بقلم : نيفين أبو رحمون
تفهم إشكالية العروبة والإسلام في الفكر العربي الحديث والمعاصر كأنه سؤال أو إشكالية تعبر عن الهوية، أي في صيغة السؤال الكلاسيكي، ما هو المحدد الأول أو الأساس في تحديد هوية الفرد أو الجماعة، هل المحدد الأول هو الإسلام أم العروبة ؟
وتعمقت هذه الفكرة لدى أجيال كثيرة ولعقود طويلة وكأن الإشكالية كانت حول محددات الهوية هل هي عربية أم إسلامية. أنا اعتقد وهذا ما سأطرحه وأتناوله في مقالتي إن إشكالية العروبة والإسلام لم تطرح ضمن نقاش أو صراع الهوية بين الدائرتين، وان طرحهما في هذا السياق يعبر عن سؤال وهمي وغير حقيقي.
وان ثنائية العروبة والإسلامية لم تطرح في الفكر العربي والإسلامي الحديث كسؤال هوية بالأساس، بل كآلية للدفاع عن الذات. بمعنى من نحرك في وجه الغزو الخارجي، هل نحرك آلية الإسلام أم العروبة، ولم يقصد أحد أو توقع أن تتحول الآلية في حينها إلى سؤال هوية فيما بعد. بمعنى أن شعار الإسلام وشعار العروبة أخذا يتزاحمان لا كشعارين متناقضين مع بعضهما البعض في علاقة تضاد، بل كتعبير عن نوعين من رد الفعل الموجه ضد ” الآخر ” .
من هو “الآخر” ؟ قبل أن نجيب من هو الآخر هناك إشكالية أهم علينا الإجابة عليها في إشكالية العروبة أم الإسلام، وهو أن مفهوم العروبة الحديث الذي تطور في التاريخ العربي الحديث وتبلور في الفكر العربي الحديث والمعاصر يختلف عن مفهوم العروبة كما فهم في التاريخ العربي والإسلامي، فالعروبة في الفكر الحديث لا تعني التقسيمات القديمة لعرب بائدة وعرب مستعربة وغيرها كما كان سائدا في التراث العربي والإسلامي، بل أن مفهوم العروبة في الفكر العربي الحديث تحدد وتبلور وتم إعادة إنتاجه من جديد على ضوء العلاقة مع الآخر، وقد أكدنا في مقالنا السابق ” معرفة الذات وممارسة الانتماء ” أن “الآخر” عامل هام في بلورة الذات، لان علاقة الوعي بالذات يتعمق من خلال الدخول في علاقة أو اختلاف ونزاع مع ” آخر ” معين .
من هم ” الآخر ” ؟ انهم الأتراك الذين تبلورت عندهم الهوية القومية التركية وانبعث فيهم وعي قومي، تقوم على فصل وتفضيل العنصر التركي داخل دولة الخلافة . بمعنى أن كلمة العروبة لم يكن موجها ضد الأتراك بوصفهم يحكمون باسم الخلافة الإسلامية بل ضد الأتراك الذي اضطهدوا العرب وفضلوا العنصر التركي على حساب الباقي . على ضوء ذلك تم بلورة مفهوم العروبة في الفكر العربي الحديث ليس كتناقض أو نزاع مع الإسلام لا على صعيد الخطاب ولا الوجدان، ومن يراجع أدبيات الفكر العربي الحديث والمعاصر يكتشف ذلك بسهولة بالغة، بمعنى أن المضمون القومي للعروبة لم يتحدد بالعلاقة مع ” الآخر ” الإسلامي بل مع ” الآخر ” التركي .
كان الرد الملائم على حالة الانبعاث القومي التركي واضطهاد العرب انبعاث آلية العروبة كمقابلة لها . إذا كيف نشأت إشكالية العروبة والإسلام ؟
الحقيقة انه لم يكن هناك ” آخر ” واحد فقط وهم الأتراك، بل كان أيضا ” الآخر ” الاستعماري، الذي تعاملت معه الأدبيات العربية الإسلامية وتم فهمه في الوعي العربي ( بحق أو بدون حق ) كغزو صليبي . واستوجب الاستعمار الغربي ردا إسلاميا بمضمون إسلامي على شاكلة الرد الإسلامي التاريخي أيام الحملات الصليبية .
تعرض العرب في هذه اللحظات العصيبة من تاريخهم وإعادة إنتاج وعيهم الحديث إلى تحديين جديين، التحدي التركي والتحدي الاستعماري، ولقد طوروا لكل تحدي آلية رد فعل، فالعروبة فهمت كأفضل آلية لمواجه ” الآخر ” التركي، والإسلام فهم كأفضل آلية لمواجهة ” الآخر ” الاستعماري .كانت المشكلة والصراع أي من الآليتين يجب تحريكها بداية، هل نحرك آلية العروبة أم آلية الإسلام، وكان الخلاف هو أولويات الصراع، وكان ذلك طبيعيا لان الموقف كان سياسيا، فريق اعتبر أن التهديد المباشر على الوجود العربي كانوا الأتراك، وفريق آخر اعتبر التهديد المباشر هو الاستعمار .
إن ثنائية العروبة والإسلام ليست ثنائية على صعيد الهوية، بل كانت على آلية الدفاع التي ينبغي تحريكها للدفاع عن الهوية . تطورت الإشكالية، ومن طبيعة أي إشكالية إنها غير قابلة للحل أي أننا لا نستطيع أن نصل فيها إلى نقطة تلغيها، ولا تخضع لمنطق النفي أو الإثبات .كل ما نستطيع أن نصله في أي إشكالية هو حالة من الاستقرار الفكري والذهني، ولا تخضع حتى لمنطق ” إما …… وإما ……. ” .
وقد أفرزت هذه الإشكالية تيارات فكرية عديدة في الفكر العربي والإسلامي المعاصر على طرفي المحور يسار – يمين، تيار يرى بأنه لا تناقض بين الإسلام والعروبة، وآخر يتبنى صيغ التكامل، وهنا طبعا المتشددين لأحد طرفي المعادلة، طرف يرى بعلو القومية عن الدين واعم منه، وطرف يعتقد أن الدين يعلو على القومية واعم منها، ولكل طرف براهينه وإثباتاته، الحقيقة أن كل طرف محق فيما يدعي ولكنه غير محق فيما ينفي . لا شك أن هناك حاجة لمناقشة الإشكالية من الناحية الفلسفية أيضا ولكن لا يسعفنا هذا المقال لذلك وسنتطرق إلى الإشكالية من وجهة نظر فلسفية في مقال قريب، ولكن أردت في البداية أن أبين النقاش الفكري الذي ساد في الفكر العربي الحديث حول إشكالية العروبة والإسلامية، واثبت ما ادعيت أن الإشكالية ليست إشكالية هوية، بل أي من الآليتين نحرك للدفاع عن الهوية . والادعاء أن الصراع كان حول هوية هو ادعاء وهمي فيه ظلم للتاريخ والفكر وعدم إلمام بأدبيات الفكر العربي الحديث .
Entry Filed under: 1.مقالات نيفين أبو رحمون. وسوم: مفهوم العروبة في الفكر العربي, نيفين أبو رحمون, الاسلام, العروبة, صراع الهوية
منقول